هذه فاسي ، فمن يرفع فاسه ؟!
“ إنها طريقة بائسة في مكافأة ،
أنْ يبقى الإنسان مجرّد تلميذ:
احْذروا أنْ يقتلكم صَنَمٌ ما ”
(فردريك نيتشه)
يا لَسُوق الثقافة في مرابعنا..؟!
فكيف بنا ونحن ندخل الى فضاءات ثقافة السوق، وأسواق الشعر، وبازارات الثقافة، ومرابد الرواية، وعكاظات المسرح، ومسارح الهذر والمذر، ولجان الجوائز، وجوائز اللجان؟
اللّهم إنا نبرأ إليك من أسواق ثقافية، ومهرجانات أدبية، وجوائز تربوية، وبازارات مسرحية، بطلها “يَغُوث”، وسَدَنَتُها “إساف بن يَعْلى” و”نائلة بِنْت زَيْد” من جُرْهُم.
بل انا ابرأ من بلد، انْ قَبِلَ توثين فلان الشاعر ، وفلتان الكاتب ، فقال الناطق باسمه : منا هذا الشاعر النحرير ، ومن اصلابنا هذا الكاتب القدير .
وها هي الفأس في يدي ...!
والأصنام حولنا، وبين ظهرانينا، وتدخل إلى غرف نوم أطفالنا.
أصنام كبار، يتلوها قوم بَيْنَ بَيْن. ثم صغار وصغار، ومُتصاغرون، حتى لا نكاد نرى أحدها. لكنها تلاقينا في بوابة المحفل الثقافي، ونلقاها عند سماط المسجد، ونصادفها ونحن عند ابواب الجامعات ، تتأبّط أوشحة الجوائز، وترتدي عباءات التكريم: أصنام غابرة، كأنها أرسلت إلينا هدية من ذلك العربي الجاهلي: عَمْرو بن رَبيعَة، وهو: لُحيّ بن حارثة بن عَمْرو بن عامر الأزْديّ، وهو أبو خُزاعة، كما يوثّق ذلك صديقنا الأديب المحقق: النابح الكلبي (...! )، في كتاب “الأصنام” .
اصنام ، وعبّاد ، وعبدان ، لا يليقون الا بهذا النابح الكلبي !
وحيثما نتطلع في رواق المحفل الأدبي، في المنافي الراسمالية الفارهية الفارهة ، او في المثابات النفطية ، او في الداخل المخرّب ، يطالعنا: هُبَلٌ عربي، اونائلة اعرابية ، نياشينهما ليست أنواطاً اعرابية، أو باونات بريطانية، أو فرنكات فرنسية، او دولارات امريكية ... فحسب ، وإنما عناوين في تسييس الشعر، وترويض البقر، وتركيع الشجر، واستيراد شركات الامن، والتفريق بين القِدَمِ والقَدَم.
او ماموث مُنْقرض، مثل الصنم الجاهلي: “نَسْر”، ينشد قصيدة يستحي الشعر منها، أو يقرأ تقريراً، على طريقة حسابات المصارف في آخر السنة، فيستمع القوم، ولا يفقه قارىء فاتورة ذلك التقرير مما قرأ شيئا.
او يتلوآخر تقريره الحزبي على مسؤوله التنظيمي ، وهو يحسبه تحقيقا في كتاب تراثي .
بل ، ربما أزيد من هذا كله : شاعر وثن يتغوط امام الناس ، وهو يحسب ذلك شعرا ، بينما يصفق له محازبون عميان .
وفوق هذا كله ، ومع هذا كله وغيره ، أُتيح لي ان استمع الى شعر يمتدح " الامين العام " !
او طرق سمعي صوت في مذياع ، او عبر شاشة التلفاز ، يفرط في امتداح جمال مفرق شعر "جنابه" او " نيافته " او "عطوفته " او "سماحته" ، حتى لا اول " دولته" ..!
يالبؤس الاصنام وعبّادها .
تلك حكايتنا منذ عقود، بل منذ قرون : لا تنسوا أن اقترابنا من “ثقافة الأصنام” ، بذرتها الأولى كانت في تاريخنا. فثمة استنساخ لكل الاصنام القديمة في اصنام جديدة .
وهؤلاء نحن، من تلك الزيتونة ، إلى تلك الصفصافة، قائمون على النظر في وجوه أصنامنا : أصنام شيوعية او قومية، وأخرى ليبرالية، وثالثة حداثوية، ورابعة رجوعية، وخامسة طريقنا الى الفضاء الخارجي، وعاشرة خريطتنا الى ثقافة هجينة، هي سراب في سراب، يحسبها بعضنا ماء.
كيف اجتمع الصنم الستاليني، بالصنم القومي، بالصنم الليبرالي، بالصنم الجاهلي، بالصنم النفطي، تحت سقف ثقافي واحد، أو عند رواق أدبي، بينما انهارت الأصنام، منذ حقب، في حدائق غيرنا من الشعوب؟!
كيف تحول "الزمّار القديم" ، الشاعر ، والقاص ، والمسرحي ، والرسام ، والممثل ، والمصور ، الى داعية للسلام ، والتعددية ، وحرية الاديان ، بينما هو في الواقع ، ادار قلمه الى كفه اليمنى ؟ ، او تحوّل من الولاء ل " .... " الى ال : " ... " ؟
هؤلاء هم الجهل، والخراب، والقحط.
وهم الإشارة الى أن ثمة سهماً في كنانة أحدنا، سهماً واحداً هو بمثابة فأس، ينبغي أن يطلق ليصيب من “ثقافة الأصنام” مقتلاً، تماماً كما فعل أبونا “الخليل” عليه السلام.
وإذا ما اعترض معترض، فقولوا له: اسألوا حكمة الشامي.
منذ خمسة عقود ، امسك حكمة الشامي ، ومن بعده غريب المتروك ، ومن بعدهما مريم بنت مطر ، ومن بعدهم ابو علي الماجدي ورفاقه ... بفؤوسهم ، وهووا بها على الاصنام .
صحيح ان رفاقي هؤلاء عادوا الى الساحات مضرجين بدمائهم .
صحيح ايضا ، انهم تعرضوا الى تشويه منظم ومبرمج ، من احزاب السلطة ، ومن مثقفي المعارضة المشتراة سلفا .
وصحيح كذلك انهم نزفوا في سجون العرب ، كما في المنافي العربية والاجنبية .
نعم هذا صحيح ومعروف وموثق كله .
بيد ان الصحيح ايضا ، ان هؤلاء المنشقين بصقوا في وجوه الاصنام جميعا .
والان ، هذه هي الفأس !
جمعة اللامي
الشارقة ـ ميسان
www.juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق